أنجبت الجزائر تلة من الأعلام في الفكر والثقافة، وأبطالا من عظماء الرجال وفطاحل من الأدباء وعلماء اللغة قديما وحديثا وعبر كل الأزمنة والفترات أمثال: بكر بن حماد، وابن معطي وابن باديس ومحمد بن أبي شنب وغيرهم في مجالات عديدة علمية وثقافية ولغوية؛ ولعل من أبرز هؤلاء الأعلام حديثا اللغوي " الحاج عبد الرحمن صالح الذي عاد إلى التراث وأمعن النظــر فيـه ومحصـــه تمحيصا، وبطريقة علمية أثمرت دراساته نظريات عديدة ومتميزة كالنظرية الخليلية الحديثة، إنه الطبيب اللساني الذي ساهم في بعث التراث اللغوي من جديد وربط الأصالة بالمعاصرة، وتحديد المفاهيم، والمعرفة الحقة بأصول البحث اللغوي خاصة الدرس النحوي منه. إنه العالم اللساني الجليل الذي كان يقدر العلم والعلماء، ويعرف قيمة البحث العلمي المبني على أسس سليمة وقواعد متينة وأصول حقيقية لا فروع واهية؛ وهو الباحث المجد المجتهد الذي لم يتكئ على وسادة غيره، أو جمع آراء معاصريه فقط ليراكم الأقوال دون فحص أو استدلال؛ لقد تجلى باحثا من الرعيل الأول بل من الجيل الذهبي الحديث في الجزائر الذي وجب علينا السير على هديه واتباع نهجــه في البحث اللغوي العلمي وإكمال مشروعه. إن جهود الحاج صالح البحثية والعلمية وفيرة وغزيرة وخاصة في خدمة اللغة العربية وترقيتها وتطويرها، حيث ترك انتاجا علميا بين النظرية والتطبيق، فمن النظرية الخليلية الحديثة إلى مشروع الذخيرة اللغوية ومشاريع أخرى لم تكتمل.